فصل: ذكر حصار طغرلبك أصبهان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)



.ذكر أخبار الترك بما وراء النهر:

في هذه السنة، في صفر، أسلم من كفار الترك الذين كانوا يطرقون بلاد الإسلام بنواحي بلاساغون وكاشغر، ويغيرون ويعيثون، عشرة آلاف خركاة، وضحوا يوم عيد الأضحى بعشرين ألف رأس غنم، وكفى الله المسلمين شرهم.
وكانوا يصيفون بنواحي بلغار، ويشتون بنواحي بلاساغون، فلما أسلموا تفرقوا في البلاد، فكان في كل ناحية ألف خركاة، وأقل وأكثر لأمنهم، فإنهم إنما كانوا يجتمعون ليحمي بعضهم بعضاً من المسلمين، وبقي من الأتراك من لم يسلم تتر وخطا، وهم بنواحي الصين.
وكان صاحب بلاساغون، وبلاد الترك، شرف الدولة، وفيه دين، وقد أقنع من إخوته وأقاربه بالطاعة، وقسم البلاد بينهم، فأعطى أخاه أصلان تكين كثيراً من بلاد الترك، وأعطى أخاه بغراجان طراز وأسبيجاب، وأعطى عمه طغاخان، فرغانة بأسرها، وأعطى ابن علي تكين بخارى وسمرقند وغيرهما وقنع هو ببلاساغون وكاشغر.

.ذكر أخبار الروم والقسطنطينية:

في هذه السنة، في صفر أيضاً، ورد إلى القسطنطينية عدد كثير من الروس في البحر، وراسلوا قسطنطين ملك الروم بما لم تجر به عادتهم، فاجتمعت الروم على حربهم، وكان بعضهم قد فارق المراكب إلى البر، وبعضهم فيها، فألقى الروم في مراكبهم النار، فلم يهتدوا إلى إطفائها، فهلك كثير منهم بالحرق والغرق، وأما الذين على البر فقاتلوا، وأبلوا، وصبروا، ثم انهزموا، فلم يكن لهم ملجأ، فمن استسلم أولاً استرق وسلم، ومن امتنع، حتى أخذ قهراً، قطع الروم أيمانهم، وطيف بهم في البلد، ولم يسلم منهم إلا اليسير مع ابن ملك الروسية، وكفي الروم شرهم.

.ذكر طاعة المعز بإفريقية للقائم بأمر الله:

في هذه السنة أظهر المعز ببلاد إفريقية الدعاء للدولة العباسية، وخطب للإمام القائم بأمر الله، أمير المؤمنين، ووردت عليه الخلع والتقليد ببلاد إفريقية وجميع ما يفتحه، وفي أول الكتاب الذي مع الرسل: من عبد الله ووليه أبي جعفر القائم بأمر الله أمير المؤمنين إلى الملك الأوحد، ثقة الإسلام، وشرف الإمام، وعمدة الأنام ناصر دين الله، قاهر أعداء الله، ومؤيد سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أبي تميم المعز بن باديس بن المنصور ولي أمير المؤمنين بولاية جميع المغرب، وما افتتحه بسيف أمير المؤمنين، وهو طويل.
وأرسل إليه سيف وفرس وأعلام على طريق القسطنطينية، فوصل ذلك يوم الجمعة، فدخل به إلى الجامع، والخطيب ابن الفاكاة على المنبر يخطب الخطبة الثانية، فدخلت الأعلام، فقال: هذا لواء الحمد يجمعكم. وهذا معز الدين يسمعكم. وأستغفر الله لي ولكم. وقطعت الخطبة للعلويين من ذلك الوقت، وأحرقت أعلامهم.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة جرت حرب بين ابن الهيثم، صاحب البطيحة، وبين الأجناد من الغز والديلم، فأحرق الجامدة وغيرها، وخطب الجند للملك أبي كاليجار.
وفيها أرسل الخليفة القائم بأمر الله أقضى القضاة أبا الحسن علي بن محمد ابن حبيب الماوردي، الفقيه الشافعي، إلى السلطان طغرلبك قبل وفاة جلال الدولة، وأمره أن يقرر الصلح بين طغرلبك والملك جلال الدولة وأبي كاليجار، فسار إليه وهو بجرجان، فلقيه طغرلبك على أربعة فراسخ إجلالاً لرسالة الخليفة، وعاد الماوردي سنة ست وثلاثين وأخبر عن طاعة طغرلبك للخليفة، وتعظيمه لأوامره ووقوفه عنده.
وفيها توفي عبد الله بن أحمد بن عثمان بن الفرج بن الأزهر أبو القاسم ابن أبي الفتح الأزهري الصيرفي المعروف بابن السواري شيخ الخطباء أبي بكر، وكان إماماً في الحديث، ومن تلامذته الخطيب البغدادي. ثم دخلت:

.سنة ست وثلاثين وأربعمائة:

.ذكر قتل الإسماعيلية بما وراء النهر:

في هذه السنة أوقع بغراخان، صاحب ما وراء النهر، بجمع كثير من الإسماعيلية.
وكان سبب ذلك أن نفراً منهم قصدوا ما وراء النهر، ودعوا إلى طاعة المستنصر بالله العلوي، صاحب مصر، فتبعهم جمع كثير وأظهروا مذاهب أنكرها أهل تلك البلاد.
وسمع ملكها بغراخان خبرهم، وأراد الإيقاع بهم، فخاف أن يسلم منه بعض من أجابهم من أهل تلك البلاد، فأظهر لبعضهم أنه يميل إليهم، ويريد الدخول في مذاهبهم، وأعلمهم ذلك، وأحضرهم مجالسة، ولم يزل حتى علم جميع من أجابهم إلى مقالتهم، فحينئذ قتل من بحضرته منهم، وكتب إلى سائر البلاد بقتل من فيها، ففعل بهم ما أمر، وسلمت البلاد منهم.

.ذكر الخطبة للملك أبي كاليجار وإصعاده إلى بغداد:

قد ذكرنا لما توفي الملك جلال الدولة ما كان من مراسلة الجند الملك أبا كاليجار والخطبة له. فلما استقرت القواعد بينه وبينهم أرسل أموالاً فرقت على الجند ببغداد، وعلى أولادهم، وأرسل عشرة آلاف دينار للخليفة ومعها هدايا كثيرة، فخطب به ببغداد في صفر، وخطب له أيضاً أبو الشوك في بلاده، ودبيس بن مزيد ببلاده، ونصر الدولة بن مروان بديار بكر، ولقبه الخليفة محيي الدين، وسار إلى بغداد في مائة فارس من أصحابه لئلا تخافه الأتراك.
فلما وصل إلى النعمانية لقيه دبيس بن مزيد، ومضى إلى زيارة المشهدين بالكوفة وكربلاء، ودخل إلى بغداد في شهر رمضان ومعه وزيره ذو السعادات أبو الفرج محمد بن جعفر بن محمد بن فسانجس، ووعده الخليفة القائم بأمر الله أن يستقبله، فاستعفى من ذلك، وأخرج عميد الدولة أبا سعد بن عبد الرحيم وأخاه كمال الملك وزيري جلال الدولة من بغداد، فمضى أبو سعد إلى تكريت، وزينت بغداد لقدومه، وأمر فخلع على أصحاب الجيوش، وهم: البساسيري، والنشاووري، والهمام أبو اللقاء، وجرى من ولاة العرض تقديم لبعض الجند وتأخير، فشغب بعضهم، وقتلوا واحداً من ولاة العرض بمرأى من الملك أبي كاليجار، فنزل في سميرية بكنكور، وانحدر خوفاً من انخراق الهيبة، وأصعد بفم الصلح.
وفي رمضان منها توفي أبو القاسم علي بن أحمد الجرجرائي وزير الظاهر والمستنصر الخليفتين، وكان فيه كفاية، وشهامة، وأمانة، وصلى عليه المستنصر بالله.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة نزل الأمير أبو كاليجار كرشاسف بن علاء الدولة من كنكور وقصد همذان فملكها وأزاح عنها نواب السلطان طغرلبك، وخطب للملك أبي كاليجار، وصار في طاعته.
وفيها أمر الملك أبي كاليجار ببناء سور مدينة شيراز، فبني وأحكم بناؤه، وكان دوره اثني عشر ألف ذراع، وعرضه ثمانية أذرع، وله أحد عشر باباً، وفرغ منه سنة أربعين وأربعمائة.
وفيها نقل تابوت جلال الدولة من داره إلى مشهد باب التبن، إلى تربة له هناك.
وفيها استوزر السلطان طغرلبك وزيره أبا القاسم علي بن عبد الله الجويني، وهو أول وزير وزر له، ثم وزر له بعده رئيس الرؤساء أبو عبد الله الحسين ابن علي بن ميكائيل، ثم وزر له بعدهنظام الملك أبو محمد الحسن بن محمد الدهستاني، وهو أول من لقب نظام الملك، ثم وزر له بعده عميد الملك الكندري، وهو أشهرهم، وإنما اشتهر لأن طغرلبك، في أيامه، عظمت دولته، ووصل إلى العراق، وخطب به بالسلطنة، وسيرد من أخباره ما فيه كفاية، فلا حاجة إلى ذكرها هاهنا.
وفيها توفي الشريف المرتضى أبو القاسم علي أخر الرضي في آخر ربيع الأول، ومولده سنة خمس وخمسين وثلاثمائة، وولي نقابة العلويين بعده أبو أحمد عدنان ابن أخيه الرضي.
وفيها توفي القاضي أبو عبد الله الحسين بن علي بن محمد الصيمري، وهو شيخ أصحاب أبي حنيفة في زمانه، ومن جملة تلامذته القاضي أبو عبد الله الدامغاني، ومولده سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة، وولي بعده قضاء الكرخ القاضي أبو الطيب الطبري مضافاً إلى ما كان يتولاه من القضاء بباب الطاق.
وفيها توفي القاضي أبو الحسن عبد الوهاب بن منصور بن المشتري قاضي خوزستان وفارس، وكان شافعي المذهب.
وفيها توفي أبو الحسين محمد بن علي البصري، المتكلم المعتزلي، صاحب التصانيف المشهورة. ثم دخلت:

.سنة سبع وثلاثين وأربعمائة:

.ذكر وصول إبراهيم ينار إلى همذان:

في هذه السنة أمر السلطان طغرلبك أخاه إبراهيم ينال بالخروج إلى بلد الجبل وملكها، فسار إليها من كرمان، وقصد همذان، وبها كرشاسف بن علاء الدولة، ففارقها خوفاً، ودخلها ينال فملكها، والتحق كرشاسف بالأكراد الجوزقان.
وكان أبو الشوك حينئذ بالدينور، فسار عنها إلى قرميسين خوفاً وإشفاقاً من ينال، فقوي طمع ينال حينئذ في البلاد، وسار الدينور فملكها ورتب أمورها، وسار منها يطلب قرميسين.
فلما سمع أبو الشوك به سار إلى حلوان وترك بقرميسين من في عسكره من الديلم، والأكراد الشاذنجان، ليمنعوها ويحفظوها، ووافاهم ينال جريدة، فقاتلوه، فدفعوه عنها، فانصرف عنهم وعاد بخركاهاته وحلله، فقاتلوه، فضعفوا عنه وعجزوا عن منعه، فملك البلد في رجب عنوة وقتل من العساكر جماعة كثيرة، وأخذ أموال من سلم من القتل، وسلاحهم، وطردهم، ولحقوا بأبي الشوك، ونهب البلد وقتل وسبى كثيراً من أهله.
ولما سمع أبو الشوك ذلك سير أهله وأمواله وسلاحه من حلوان إلى قلعة السيروان، وأقام جريدة في عسكره، ثم إن ينال سار إلى الصيمرة في شعبان، فملكها ونهبها، وأوقع بالأكراد المجاورين لها من الجوزقان، فانهزموا، وكان كرشاسف بن علاء الدولة نازلاً عندهم، فسار هو وهم إلى بلد شهاب الدولة أبي الفوارس منصور بن الحسين.
ثم إن إبراهيم ينال سار إلى حلوان، وقد فارقها أبو الشوك، ولحق بقلعة السيروان، فوصل إليها إبراهيم آخر شعبان، وقد جلا أهلها عنها، وتفرقوا في البلاد، فنهبها وأحرقها، وأحرق دار أيب الشوك، وانصرف بعد أن اجتاحها ودرسها.
وتوجه طائفة من الغز إلى خانقين في أثر جماعة من أهل حلوان كانوا ساروا بأهليهم وأولادهم وأموالهم، فأدركوهم وظفروا بهم وغنموا ما معهم، وانتشر الغز في تلك النواحي، فبلغوا مايدشت وما يليها، فنهبوها وأغاروا عليها.
فلما سمع الملك أبو كاليجار هذه الأخبار أزعجته وأقلقته، وكان بخوزستان، فعزم على المسير، ودفع ينال ومن معه من الغز عن البلاد، فأمر عساكره بالتجهز للسفر إليهم، فعجزوا عن الحركة لكثرة ما مات من دوابهم، فلما تحقق ذلك سار نحو بلاد فارس، فحمل العسكر أثقالهم على الحمير.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة، في المحرم، خطب للملك أبي كاليجار بأصبهان وأعمالها، وعاد الأمير أبو منصور بن علاء الدولة إلى طاعته.
وكان سبب ذلك أنه لما عصى على الملك أبي كاليجار، وقصد كرمان، على ما ذكرناه، والتجأ إلى طاعة طغرلبك، لم يبلغ ما كان يؤمله من طغرلبك، فلما عاد طغرلبك إلى خراسان خاف أبو منصور من الملك أبي كاليجار فراسله في العود إلى طاعته، فأجابه إلى ذلك واصطلحا.
وفيها اصطلح أبو الشوك وأخوه مهلهل، وكان متقاطعين من حين أسر مهلهل أبا الفتح بن أبي الشوك، وموت أبي الفتح في سجنه. فلما كان الآن وخافا من الغز تراسلا في الصلح، واعتذر مهلهل، وأرسل ولده أبا الغنائم إلى أبي الشوك، وحلف له أن أبا الفتح توفي حتف أنفه من غير قتل، وقال: هذا ولدي تقتله عوضه، فرضي أبو الشوك، وأحسن إلى أبي الغنائم، ورده إلى أبيه، واصطلحا واتفقا.
وفيها، في جمادى الأولى، خلع الخليفة على أبي القاسم علي بن الحسن بن المسلمة، واستوزره، ولقبه رئيس الرؤساء، وهو ابتداء حاله.
وكان السبب في ذلك أن ذا السعادات بن فسانجس، وزير الملك أبي كاليجار، كان يسيء الرأي في عميد الرؤساء، وزير الخليفة، فطلب من الخليفة أن يعزله، فعزله واستوزر رئيس الرؤساء نيابة، ثم خلع عليه وجلس في الدست.
وفيها، في شعبان، سار سرخاب بن محمد بن عناز أخو أبي الشوك إلى البندنيجين وبها سعدي بن أبي الشوك، ففارقها سعدي ولحق بأبيه، ونهب سرخاب بعضها، وكان أبو الشوك قد أخذ بلد سرخاب ما عدا دزديلويه وهما متباينان لذلك.
وفيها، في آخر رمضان، توفي أبو الشوك فارس بن محمد بن عناز بقلعة السيروان، وكان مرض لما سار إلى السيروان من حلوان، ولما توفي غدر الأكراد بابنه سعدي، وصاروا مع عمه مهلهل، فعند ذلك مضى سعدي إلى إبراهيم ينال، وأتى بالغز، على ما نذكره إن شاء الله تعالى.
وفيها قتل عيسى بن موسى الهذباني صاحب أربل، وكان خرج إلى الصيد، فقتله ابنا أخ له، وساروا إلى قلعة إربل فملكاها، وكان سلار بن موسى، أخو المقتول، نازلاً على قرواش بن المقلد، صاحب الموصل، لنفرة كانت بينه وبين أخيه، فلما قتل سار قرواش مع السلار إلى إربل، فملكها وسلمها إلى السلار، وعاد قرواش إلى الموصل.
وفيها كانت ببغداد فتنة بين أهل الكرخ وباب البصرة، وقتال اشتد قتل فيه جماعة.
وفيها وقع البلاء والوباء في الخيل، فهلك من عسكر الملك أبي كاليجار اثنا عشر ألف فرس، وعم ذلك البلاء.
وفيها توفي علي بن محمد بن نصر أبو الحسن الكاتب بواسط، صاحب الرسائل المشهورة. ثم دخلت:

.سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة:

.ذكر ملك مهلهل قرميسين والدينور:

في هذه السنة ملك مهلهل بن محمد بن عناز مدينة قرميسين والدينور.
وسبب ذلك أن إبراهيم ينال كان قد استعمل عند عوده من حلوان على قرميسين بدر بن طاهر بن هلال، فلما ملك مهلهل، بعد موت أخيه أبي الشوك، سار إلى مايدشت، ونزل بها ثم توجه نحو قرميسين، فانصرف عنها بدر فملكها مهلهل، وسير ابنه محمداً إلى الدينور، وبها عساكر ينال، فاقتتلوا، فقتل بين الفريقين جماعة، وانهزم أصحاب ينال، وملك محمد البلد.

.ذكر اتصال سعدي بن أبي الشوك بإبراهيم ينال وما كان منه:

في هذه السنة، في شهر ربيع الأول، فارق سعدي بن أبي الشوك عمه مهلهلاً، ولحق بإبراهيم ينال فصار معه.
وسبب ذلك أن عمه تزوج أمه وأهمل جانبه واحتقره، وكذلك أيضاً قصر في مراعاة الأكراد الشاذنجان، فراسل سعدي إبراهيم ينال في اللحاق به، فأذن له في ذلك، ووعده أن يملكه ما كان لأبيه، فسار إليه في جماعة من الأكراد الشاذنجان، فقوي بهم، فأكرمه ينال، وضم إليه جمعاً من الغز وسيره إلى حلوان فملكها، وخطب فيها لإبراهيم ينال في شهر ربيع الأول، وأقام بها أياماً، ورجع إلى مايدشت، فسار عمه مهلهل إلى حلوان فملكها وقطع منها خطبة ينال.
فلما سمع سعدي بذلك سار إلى حلوان، ففارقها عمه مهلهل إلى ناحية بلوطة، وملك سعدي حلوان وسار إلى عمه سرخاب فكبسه ونهب ما كان معه، وسير جمعاً إلى البندنيجين، فاستولوا عليها وقبضوا على نائب سرخاب بها، ونهبوا بعضها، وانهزم بعضها، وانهزم سرخاب، فصعد إلى قلعة دزديلويه، ثم عاد سعدي إلى قرميسين، فسير عمه مهلهل ابنه بدراً إلى حلوان فملكها، فجمع سعدي وأكثر وعاد إلى حلوان، ففارقها من كان بها من أصحاب عمه من كان بالقلعة، وملكها سعدي، وكان قد صحبه كثير من الغز، فسار بهم منها إلى عمه مهلهل، وترك بها من يحفظها. فلما علم عمه بقربه منه سار بين يديه إلى قلعة تيرانشاه، بقرب شهرزور، فاحتمى بها، وملك الغز كثيراً من النواحي والمواشي، وغنموا كثيراً من الأموال والدواب.
فلما رأى سعدي تحصن عمه منه خاف على من خلفه بحلوان فعاد عازماً على محاصرة القلعة، فمضى وحصرها، وقاتله من بها من أصحاب عمه، ونهب الغز حلوان، وفتكوا فيها وافتضوا الأبكار، وأحرقوا المساكن، وتفرق الناس،! وفعلوا في تلك النواحي جميعها أقبح فعل.
ولما سمع أصحاب الملك أبي كاليجار ووزيره هذه الأخبار ندبوا العساكر إلى الخروج إلى مهلهل ومساعدته على ابن أخيه، ودفعه عن هذه الأعمال، فلم يفعلوا.
ثم إن سعدي أقطع أبا الفتح بن ورام البندنيجين، واتفقا، واجتمعا على قصد عمه سرجاب بن محمد بن عناز، وحصره بقلعة دزديلويه، فسارا فيمن معهما من العساكر، فلما قاربوا القلعة دخلوا في مضيق هناك من غير أن يجعلوا لهم طليعة طمعاً فيه وإدلالاً بقوتهم، وكان سرخاب قد جعل على رأس الجبل، على فم المضيق، جمعاً من الأكراد، فلما دخلوا المضيق، فتقطرت بهم خيلهم، فسقطوا عنها ورماهم الأكراد الذين على الجبل، فوهنوا وأسر سعدي وأبو الفتح بن ورام وغيرهما من الرؤوس، وتفرق الغز والأكراد من تلك النواحي، بعد أن كانوا قد توطنوها وملكوها.

.ذكر حصار طغرلبك أصبهان:

في هذه السنة حصر طغرلبك مدينة أصبهان، وبها صاحبها أبو منصور فرامرز ابن علاء الدولة، فضيق عليه، ولم يظفر من البلد بطائل، ثم اصطلحوا على مال يحمله فرامرز بن علاء الدولة لطغرلبك، وخطب له بأصبهان وأعمالها.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة خرج من الترك من بلد التبت خلق لا يحصون كثرة، فراسلوا أرسلان خان، صاحب بلاساغون، يشكرونه على حسن سيرته في رعيته، ولم يكن منهم تعرض إلى مملكته، ولكنهم أقاموا بها، وراسلهم ودعاهم إلى الإسلام، فلم يجيبوا، ولم ينفروا منه.
وفيها توفي أبو الحسن الخيشي النحوي في ذي الحجة، وله نيف وتسعون سنة.
وفيها انحدر علاء الدين أبو الغنائم ابن الوزير ذي السعادات إلى البطائح وحصرها، وبها صاحبها أبو نصر بن الهيثم، وضيق عليه، واجتمع مع جمع كثير.
وفيها، في ذي القعدة، توفي عبد الله بن يوسف أبو محمد الجويني، والد إمام الحرمين أبي المعالي، وكان إماماً في الشافعية، تفقه على أبي الطيب سهل ابن محمد الصعلوكي، وكان عالماً بالأدب وغيره من العلوم، وهو من بني سنبس، بطن من طيء. ثم دخلت:

.سنة تسع وثلاثين وأربعمائة:

.ذكر صلح أبي كاليجار والسلطان طغرلبك:

في هذه السنة أرسل الملك أبو كاليجار إلى السلطان ركن الدين طغرلبك في الصلح، فأجابه إليه، واصطلحا، وكتب طغرلبك إلى أخيه ينال يأمره بالكف عما وراء ما بيده، واستقر الحال بينهما أن يتزوج طغرلبك بابنة أبي كاليجار، ويتزوج الأمير أبو منصور بن أبي كاليجار بابنة الملك داود أخي طغرلبك، وجرى العقد في شهر ربيع الآخر من هذه السنة.

.ذكر القبض على سرخاب أخي أبي الشوك:

في هذه السنة قبض الأكراد اللرية وجماعة من عسكر سرخاب عليه، لأنه أساء السيرة معهم ووترهم، فقبضوا عليه، وحملوه إلى إبراهيم ينال، فقلع إحدى عينيه، وطالبه بإطلاق سعدي بن أبي الشوك فلم يفعل.
وكان أبو العسكر بن سرخاب قد غاضبه لما قبض على سعدي، واعتزله كراهية لفعله، فلما أسر أبوه سرخاب سار إلى القلعة وأخرج سعدي ابن عمه، وفك قيوده، وأحسن إليه وأطلقه، وأخذ عليه بطرح ما مضى، والسعي في خلاص والده سرخاب، فسار سعدي، واجتمع عليه خلق كثير من الأكراد، ووصل إلى إبراهيم ينال، فلن يجد عنده الذي أراد، ففارقه وعاد إلى الدسكرة، وكاتب الخليفة ونواب الملك أبي كاليجار بالعود إلى الطاعة وأقام بها.

.ذكر ملك إبراهيم ينال قلعة كنكور وغيرها:

في هذه السنة سار إبراهيم ينال إلى قلعة كنكور، وبها عكبر بن فارس، صاحب كرشاسف، بن علاء الدولة يحفظها له، فامتنع عكبر بها إلى أن فنيت ذخائره، وكانت قليلة، فلما نفدت الذخائر عمد إلى بيوت الطعام التي في القلعة وملأها ترابا وحجارة، وسد أبوابها، ونثر من داخل الأبواب شيئاً من طعام، وعلى رأس التراب والحجارة كذلك أيضاً، وراسل إبراهيم في تسليم القلعة إليه، على أن يؤمنه على من بها من الرجال، وما بها من الأموال، فأرسل إليه إبراهيم يمتنع عليه من ترك المال، فأخذ عكبر رسول إبراهيم فطوفه على البيوت التي فيها الطعام، وفتح مواضع من المسدود فرآها مملوءة، فظنها طعاماً، وقال له عكبر: ما راسلت صاحبك خوفاً من المطاولة، ولا إشفاقاً من نفاد الميرة، لكنني أحببت الدخول في طاعته، فإن بذل لي الأمان على ما طلبته لي وللأمير كرشاسف وأمواله، ولمن بالقلعة، سلمت إليه وكفيته مؤونة المقام.
فلما عاد الرسول إلى إبراهيم وأخبره أجابه إلى ما طلب، ونزل عكبر، وتسلمها إبراهيم، فلما صعد إلى القلعة انكشفت الحيلة، وسار عكبر بمن معه إلى قلعة سرماج، وصعد إليها.
ولما ملك ينال كنكور عاد إلى همذان، فسير جيشاً لأخذ قلاع سرخاب، واستعمل عليهم نسيباً له اسمه أحمد، وسلم إليه سرخاباً ليفتح به قلاعه، فسار به إلى قلعة كلكان، فامتنعت عليه، فساروا إلى قلعة دزديلويه فحصروها، وامتدت طائفة منهم إلى البندنيجين فنهبوها في جمادى الآخرة، وفعلوا الأفاعيل القبيحة من النهب والقتل وافتراش النساء والعقوبة على تخليص الأموال، فمات منهم جماعة لشدة الضرب.
وسارت طائفة منهم إلى أبي الفتح بن ورام، فانصرف عنهم خوفاً منهم، وترك حلله بحالها، وقصد أن يشتغلوا بنهب حلله، فيعود عليهم، فلم يعرجوا على النهب وتبعوه، فلشدة خوفه أن يظفروا به ويأخذوه قاتلهم، فظفر بهم، وقتل وأسر جماعة منهم، وغنم ما معهم، ورجع الباقون، وأرسل إلى بغداد يطلب نجدة خوفاً من عودهم، فلم ينجدوه لعدم الهيبة وقلة إمساك الأمر، فعبر بنو ورام دجلة إلى الجانب الغربي.
ثم إن الغز أسروا إلى سعدي بن أبي الشوك في رجب، وهو نازل على فرسخين من باحسري، وكبسوه، فانهزم هو ومن معه لا يلوي الأخ على أخيه، ولا الوالد على ولده، فقتل منهم خلق كثير، وغنم الغز أموالهم، ونهبوا تلك الأعمال، وكان سعدي قد أنزل مالاً من قلعة السيروان، فوصله تلك الليلة، فغنمه الغز إلا من سلم معه، ونجا سعدي من الوقعة بجريعة الذقن، ونهب الغز الدسكرة، وباجسري، والهارونية، وقصر سابور وجميع تلك الأعمال.
ووصل الخبر إلى بغداد بأن إبراهيم ينال عازم على قصد بغداد، فارتاع الناس، واجتمع الأمراء والقواد إلى الأمير أبي منصور ابن الملك أبي كاليجار ليجتمعوا ويسيروا إليه ويمنعوه، واتفقوا على ذلك، فلم يخرج غير خيم الأمير أبي منصور والوزير ونفر يسير، وتخلف الباقون، وهلك من أهل تلك النواحي المنهوبة خلق كثير، فمنهم من قتل، ومنهم من غرق، ومنهم من قتله البر.
ووصل سعدي إلى ديالى، ثم سار منها إلى أبي الأغر دبيس بن مزيد فأقام عنده. ثم إن إبراهيم ينال سار إلى السيروان، فحصر القلعة، وضيق على من بها، وأرسل سرية نهبت البلاد، وانتهت إلى مكان بينه وبين تكريت عشرة فراسخ، ودخل بغداد من أهل طريق خراسان خلق كثير، وذكروا من حالهم ما أبكى العيون، ثم سلمها إليه مستحفظاً، بعد أن أمنه على نفسه وماله، وأخذ منها ينال من بقايا ما خلفه سعدي شيئاً كثيراً، ولما فتحها استخلف فيها مقدماً كبيراً من أصحابه يقال له سخت كمان، وانصرف إلى حلوان، وعاد منها إلى همذان ومعه بدر ومالك ابنا مهلهل فأكرمهما.
ثم إن صاحب قلعة سرماج توفي، وهو من ولد بدر بن حسنويه، وسلمت القلعة بعده إلى إبراهيم ينال، وسير إبراهيم ينال وزيره إلى شهرزور فأخذها وملكها، فهرب منه مهلهل، فأبعد في الهرب. ثم نزل أحمد على قلعة تيرانشاه وحاصرها، ونقب عليها عدة نقوب، ثم إن مهلهلاً راسل أهل شهرزور يعدهم بالمسير إليهم في جمع كثير، ويأمرهم بالوثوب بمن عندهم من الغز، ففعلوا وقتلوا منهم، وسمع أحمد بن طاهر، فعاد إليهم وأوقع بهم ونهبهم، وقتل كثيراً منهم.
ثم إن الغز المقيمين بالبندنيجين ومن معهم ساروا إلى براز الروز، وتقدموا إلى نهر السليل، فاقتتلوا هم وأبو دلف القاسم بن محمد الجاواني قتالاً شديداً ظفر فيه أبو دلف، وانهزم الغز وأخذ ما معهم.
وسار، في ذي الحجة، جمع من الغز إلى بلد علي بن القاسم الكردي، فأغاروا وعاثوا، فأخذ عليهم المضيق وأوقع بهم وقتل كثيراً منهم، وارتجع ما غنموه من بلده.